تلوث البيئة.. "قلة تربية"

نقص التربية البيئية لدى مجتمعاتنا هي الفكرة التي ارتكزت عليها ندوة "تلوث هواء القاهرة.. الأسباب والحلول" التي احتضنتها ساقية عبد المنعم الصاوي أحد أكبر المنابر الثقافية بالقاهرة والتي نظمتها وأشرفت عليها رابطة الإعلاميين العلميين العرب، وقد ضمت الندوة عددًا من الإعلاميين العلميين، وافتتحت بكلمة تمهيدية للإعلامي العلمي أحمد بلح مدير اللقاء، وشملت نسبا وإحصائيات عن التلوث عمومًا داخل القاهرة، وتحديدًا حول "السحابة السوداء" والخسائر التي جنتها مصر في الآونة الأخيرة من جراء تفاقم هذه المشكلة، حيث أشار إلى أن الخسائر المادية فقط قدرت بـ6 مليارات و400 مليون جنيه بحسب تقرير البنك الدولي.

كما أشار إلى أن تلوث الهواء يصيب على الأقل شخصين من سكان القاهرة بالسرطان، ومئات آخرين بضيق في التنفس، وضعف الذاكرة، والفشل الكلوي.

رصاص يسبح بهواء القاهرة

بحجم الأضرار التي يخلفها الرصاص بدأ الدكتور سعد السيد أستاذ الكيمياء التحليلية بجامعة عين شمس -ضيف الندوة- كلمته، حيث أشار إلى أن ما يقرب من 130 طنًّا من مادة الرصاص يسبح في هواء القاهرة، 100 طن منها تنتج من عوادم السيارات و30 طنًّا من مسابك الرصاص الثانوية، وأكد على أن الرصاص من أسوأ العناصر المعروفة بسميتها المرتفعة؛ فهو لا يترك أي عضو من أعضاء جسم الإنسان إلا ويصيبه ليفتك به، فهو يؤثر على المخ والجهاز العصبي وعضلة القلب والكلى وغيرها من الأعضاء، كما أن المعرضين للرصاص لفترات طويلة يصابون بالغباء.

ليس الرصاص فحسب، فهناك ضيف آخر ثقيل يسطو على سماء القاهرة في فصل الخريف من كل عام، فينتج عنه جو مليء بالضباب الناتج عن انبعاثات من جميع عمليات احتراق المداخن والحرق المكشوف و"الجيارات" و"الفواخير" و"مكامير الفحم"، إلى جانب حرق قش الأرز، أضف إلى هذا الرمال القادمة من هضبة المقطم شرق القاهرة والمنخفض الجوي الذي يأتي من شرق آسيا والرطوبة تساعد كلها على زيادة هذه السحابة السوداء التي تظهر متجلية ليلاً.

وقد أشار الدكتور سعد إلى أن مادة الديوكسين DIOXIN أو العامل البرتقالي والتي اكتشفت حديثًا ولم يلتفت لها القانون، هي من أكثر المواد التي عرفتها البشرية حتى الآن من حيث سميتها العالية، وقد استخدمها الأمريكيون في حرب فيتنام في أثناء غزو كوبا؛ لما لها من أثر شديد الفتك بالبشر، وأضاف السيد: "لكي تدرك مدى خطورة تلك المادة لك أن تعلم أن حدود المسموح بها عالميًّا هو 0.1 نانو جرام في المتر المكعب".

ومادة الديوكسين تنتج عن جميع عمليات الاحتراق المحتوية على الكلور، كما في صناعة الإسمنت والزجاج والسيراميك، كما تحتوي السيجارة على قدر لا يستهان به من مادة الديوكسن شديدة السمية.

خطوات نحو العلاج

مع كل هذا العدد من الملوثات ظهرت العديد من المشكلات الصحية والخسائر المادية الناتجة عن تلوث هواء القاهرة، وعلى إثره تم إصدار قانون للبيئة، كما حصلت مصر على منح من بعض الدول الأجنبية لمعالجة المشاكل المؤدية إلى هذا التلوث، ويقول دكتور سعد: "حصلنا على منح من اليابان، وفنلندا، والدانمارك، وأمريكا، والعديد من الدول الأخرى حتى وصلت المعونات إلى حوالي 7 مليارات جنيه مصري (1.2 مليار دولار أمريكي)؛ وذلك بغرض إصلاح حال البيئة المصرية".

وهنا أوضح الدكتور سعد أن البيئة ترتكز على محاور ثلاثة، بيئة أرضية، وبيئة مائية، وبيئة هوائية، ثم أشار إلى بعض الإجراءات التي تمت لمعالجة البيئة الهوائية والتي تتلخص في مشروع هيئة المعونة الأمريكية؛ لتحسين هواء القاهرة والذي تبلغ ميزانيته 60 مليون دولار أمريكي، وقد وضع هذا المشروع عدة محاور، أهمها التخلص من الرصاص، وذلك عن طريق:

- تحويل البنزين الذي تستخدمه السيارات إلى بنزين خال من الرصاص.

- نقل "المسابك" من المناطق السكانية المكتظة، مثل منطقة شبرا شمال القاهرة، إلى مناطق صناعية مثل العاشر من رمضان ومسطرد شرق القاهرة، كما تم إعادة تأهيل تلك المناطق التي تشبعت بناياتها بالرصاص.

- تحويل عدد لا يستهان به من السيارات والحافلات إلى الغاز الطبيعي.

- عمل محطات لضبط معدلات الحرق داخل مواتير السيارات.

- الكشف على عوادم السيارات في أثناء تجديد الترخيص.

- وضع معايير للانبعاثات الناتجة عن المصانع، ومن يتعدى الحد الأقصى منها يعرض للغرامة.

كما أشار الدكتور إلى أن مشروع المعونة الدانماركية الخاص بإنشاء مراكز لرصد مستويات التلوث بهواء القاهرة، يقوم بعمل تقرير شهري، وتقرير كل ثلاثة أشهر، وآخر نصف سنوي، وأخير سنوي؛ وذلك لرصد طبيعة الملوثات والزائد منها، ومدى تأثير خطوات المعالجة الهوائية، وأكد أنه رغم كل هذا المجهود المبذول فإن هواء القاهرة ما زال ملوثًا بنسبة كبيرة مقارنة بدول العالم، وقد يكون ذلك لصرامة القوانين بالدول الأجنبية والتي تمنع أي خرق من قبل المصانع أو الأشخاص.

وقد نوَّه الدكتور سعد إلى التوجه الحالي لاستخدام قش الأرز كسماد وعلف للحيوانات؛ حيث إن قش الأرز عندما يكمر يستخدم كسماد، وعندما يضاف إليه بعض المواد يكون من أفضل أنواع العلف الحيواني.

مداخلات تعكس قلقًا

على الرغم من أن الدكتور سعد أشار إلى أن هواء القاهرة ما زال ملوثًا بعد تطبيق قوانين البيئة، فإنه أجاب ردًّا على أحد الحضور الذي سأل عن مدى الجدية في تطبيق القوانين الصادرة للمصانع، ومدى التزامها بها؟ بأن هذه القوانين بالفعل كان لها تأثير جيد وإيجابي، حيث يظهر ذلك بالفعل في أكثر الصناعات قذارة وهي صناعة الإسمنت، حيث أشار إلى أن مصانع الإسمنت كانت تخرج ما يقرب من 20 ألف مليجرام في المتر المكعب من الانبعاثات السامة (الأتربة الإسمنتية).

وبنود القانون الحديث وضعت الحد المسموح به للمصانع القديمة 200 مليجرام للمتر المكعب فقط، أما المصانع الحديثة فالمسموح لها من هذه الأتربة الإسمنتية لا يزيد عن 30 مليجرامًا للمتر المكعب، وبالفعل فجهاز رئيس شئون البيئة المصري يتابع هذه النسب من الأتربة الصادرة من المصانع، ومن يخالف الحد المسموح به من قبل القانون تطبق عليه الغرامة فورًا.

وقد طالب الدكتور جلال حسن رئيس قسم نظم المعلومات بكلية الحاسبات والمعلومات بجامعة القاهرة بإصدار نشرة يومية عن الهواء من مراكز الرصد المنتشرة في جميع أنحاء مصر، كما طالب بوضع حد للإهمال في استهلاك الطاقة بالقاهرة.

كما أبدت بثينة أسامة مديرة تحرير القسم العلمي والصحي بشبكة "إسلام أون لاين.نت" تخوفها من ارتباط مسيرة خطة تنظيف هواء القاهرة بالمعونات الخارجية، حيث أثارت سؤالاً حول الأثر المترتب على توقف مثل هذه المعونات التي قد تعرقل مسيرة الخطة، بل قد تؤدي إلى توقفها تمامًا، كما أبدت فكرة إنشاء صندوق لتمويل مثل هذه البرامج والخطط المعنية بإصلاح وحماية البيئة؛ حتى لا يكون الاعتماد الكلي على المعونات الخارجية المرتبطة ببعض الأمور السياسية.

واختتم الدكتور سعد السيد الندوة بنداء لنشر التربية البيئية، وضرورة تعليم الأجيال القادمة أهمية البيئة، وطرق التعامل الصحيح معها؛ فالبيئة ملك لنا لا بد من الحفاظ عليها، كما وعد بعمل ندوات بشكل دوري؛ للتحدث عن المشاكل البيئية ومحاولة رصد حلول لها.

شكرا على المرور والأطلاع على الموضوع

يسلمووو على المرور والأطلاع عليه يا لهفة مشتاقة

يسلمو على المرور